رسالة الإختطاف



واختطف المصطفى عبد الدايم صبيحة يوم السبت، وهو في فراشه بزنزانة من زنازين سجن تيزنيت. فجأة هاجمت مجموعة من ذئاب



المخزن المعتقلين السياسيين الصحراويين بذلك السجن.. بعثرت أغراضهم الشخصية، عنفتهم، وتحملوا سيلا من الشتائم والكلمات النابية التي لا يعرف نظمها غير أزلام نظام الرباط.. واختطف المصطفى مع رفيقه محمود أبو القاسم نحو وجهة مجهولة، في ثياب نومهما. اختطف "كاتبا سجن تيزنيت" الصحراويين.لم أكن أرغب في أن أشارك في تبادل الرسائل مع المصطفى، والنانة لبات الرشيد، فمنذ أن اقترحا أن يطلقا هذه المبادرة أخبرتهما أن موقع الإتحاد لا يمانع في فتح المجال لهذا الحوار، على أن يكون حوارا متنوعا، أدبيا، وسياسيا، واجتماعيا، وعلى أن يفتح المجال للجميع لمناقشة قضايا عميقة ولا يبقى مجرد حوار سطحي بين زميلي قلم. وكان أن بدأ التبادل، وأثار ردود فعل مختلفة. فالبعض انتقده جملة وتفصيلا وحمل الرسالتين الأولى للمصطفى والثانية للنانة أوزارا لم ينويا قط حملها، والبعض رأى في هذه المبادرة فرصة لفتح حوار بين مثقفينا، ولكن لم أتوقع أن يختطف المصطفى هكذا فجأة وبهذه السرعة، ويحرم من فرصة مواصلة حواره المفتوح مع النانة لبات الرشيد ومع بقية الزملاء. ولم أتوقع أن أضطر للكتابة والمشاركة في هذا الحوار لأقول للجميع، هذه مناسبة لإعادة فتحه حول السجن، وحول القمع، وحول إرادة التعبير، وحول ظروف الإحتلال، وحول كل المواضيع التي قد تساعد على تسليط الضوء على وضعنا الإستثنائي كمستعمرين وما الذي علينا فعله للنهوض ولإزاحة هذه الغمة عن أنفاسنا. ولما لا نغتنمه فضاء كذلك لنشر تفاصيل جرائم نظام الرباط بعشرات القصص عن القتل، والإختطاف، والإغتصاب، والسجن والتعذيب وغيرها، لنفتح سجلا لجرائم أزلام محمد السادس ونظامه.وأعود بالذاكرة لأيام قلائل قبل اختطاف المصطفى. هاتفته وأنا أحتج على تأخره في كتابة رسالته الثالثة لتنشيط الحوار الذي كان متحمسا لافتتاحه، ليغيب أزيد من عشرة أيام."ما هذا يا صديقي، لا يعقل أن تبدأ هذا الحوار، ثم تختفي هكذا دون مقدمات، ألم تر كيف أثارت رسائلك والنانة ردود فعل طيبة، تحتاج منكما تركيزا أكبر مستقبلا؟"ضحك المصطفى ضحكته الهادئة، ولكأنني أراها ترتسم على شفتيه، وقال:"عذرك يا صديقي العزيز، فإني أمر بظروف جد صعبة في السجن، ويبدو أن الأمور ستزداد سوء، لهذا لم أتمكن من الكتابة في زنزانتي، ولست أدري ما تخبئه الأيام القادمة، ولربما سيحاول القيمون على السجن تضييق الخناق علينا، أو على الأقل علي".ومضى الحديث ليتناول عددا من المواضيع، ولأختتم المقابلة وأنا أحس بثقل المسؤولية التي يتحمل المصطفى وهو يكتب بين براثن الجلاد، داخل زنزانته، وما يعانيه ليس فقط لتوفير الحد الأدنى من الظروف النفسية والذهنية والبدنية للكتابة، بل كذلك معاناته الدائمة لإيصال كتابته إلينا. وتذكرت كل اولئك الذين انتقدوا إقدامه على فتح باب المراسلة، هل يدركون حقا ما يعانيه لكي يتمكن من الإطلالة عليهم على الأقل مرة كل أسبوع أو اسبوعين؟إذا اختطف المصطفى، وسيظهر حتما في أحد السجون المغربية في القريب العاجل، ولكن المغزى من اختطافه عميق، والأسباب التي تقف وراء هذا الإختطاف أعمق. وهي كلها أسباب تجعلنا نتساءل: لماذا اختطف المصطفى عبد الدايم، ومحمود أبو القاسم بالذات؟ هل هما قائدين خطيرين للمقاومة الصحراوية؟ هل ارتكبا أي جرم خطير يبرر إقدام نظام الرباط على "اختطافهما" من داخل السجن؟والجواب بكل بساطة هو نعم!! لقد ارتكبا فعل الكتابة. لقد لجئا إلى سلاح الكلمة لفضح الإحتلال، وللتواصل مع العالم. لقد أشهرا قلميهما للتعبير عن آرائهما. وهو أمر يخشاه الجلاد لأنه يخشى الحقيقة، ويخشى النور، ويخشى الكلمة ويخشى المعرفة. إذا، اختطاف المصطفى هو "رسالة اختطاف" كتبها الجلادون المغاربة من الرباط إلى كل المثقفين الصحراويين، وتقول:"سنخرسكم. سنكتم على أنفاسكم، سنمنعكم من الغناء،سنحرمكم حتى الدعاءأو البكاءأو الرجاء.سنجعل كل قصيدة، طللا .. هباء.وندفعكم لامتداح الكسل،دعوا كل شيء قد يثيرناوناموا في غيابكم بلا وجل.كيما تنالوا رضانا.دعوا ظلمة الليل تغمركمبلا كللفذاك هوانا.وإلا أغضبتم سيد الرباط،لتصحوا السياطتلهب الظهور."فهل تستكينون، يا أبناء السحاب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق