اليوم التالي بعد ضرب سورية


د. فايز رشيد

أوباما يقرع طبول الحرب، وقعقعة السلاح تتعاظم. الأساطيل الأمريكية تجوب البحر الأبيض المتوسط، التحالف الاستعماري الثلاثي: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، عاد من جديد، ولكن هذه المرة تدخل فيه تركيا، المنتشية باقتراب ضرب سورية، كما يدخل فيه أيضاً العديد من الدول التي قال عنها أحمد داود أوغلو: بأنها تبلغ سبعا وثلاثين دولة. كيري يهدد بتوجيه ضربة إلى الذين استعملوا الأسلحة الكيماوية في سورية، غير أنه لم يحدد هذه الجهة، التي على المراقبين أن يتوقعوها، وليس من الصعوبة بمكان ذلك، فهو يقصد النظام السوري. هولاند يصرح بأن، عدم الرد هو غير المتوقع، وأنه الاستثناء الوحيد الذي يجب التأكيد عليه. رؤساء أركان دول عديدة على رأسها أمريكا يجتمعون في العاصمة الأردنية، وعلى جدول أعمالهم نقطة واحدة: التعامل مع الوضع السوري، المتهم فيه النظام، من دون أدلة ومن دون إثباتات مادية بأنه استعمل السلاح الكيماوي ضد معارضيه (من السلفيين التكفيرين الذين يتلقون الأوامر من دول التحالف الاستعماري ومن بعض الدول العربية) التي تخوض معركة غيرها ضمن المخطط الهادف باختصار إلى تحطيم سورية وتمزيقها، كخطوة أولى على طريق إنهاء أطراف المقاومة الثلاثة: إيران، سورية، وحزب الله. الحليف الصغير للتجمع العدواني نتنياهو يتوعد سورية أيضا. 
الأجواء أشبه ما تكون بتلك التي سادت قبيل بدء العدوان على العراق واحتلاله. مثلما اخترعوا سبب الأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل (التي أثبتت في ما بعد بطلانها وخلو العراق تماماً من أية أسلحة للدمار) يظلون قادرين على اختراع نفس الأسباب في ما يتعلق ببدء الهجوم على سورية، رغم إدراكهم أن خمسين جندياً سوريا لقوا حتفهم نتيجة استعمال الأسلحة الكيماوية في الفترة الأخيرة، وعديدون أصيبوا. لا يمكن للنظام السوري أن يكون قد استعمل السلاح الكيماوي في الهجوم الأخير على الغوطة، ذلك لتزامن هذا الحدث مع بدء عمل فريق الأمم المتحدة، للتحقيق في كيفية ومن استخدم السلاح الكيماوي، الذي وصل سورية بموافقة النظام. من ناحية ثانية: جاء استعمال السلاح المحرم في يوم بدء تحقيق هذه اللجنة، وهذا يجعل النظام يفكر عشرات المرات قبل استعماله. للعلم كان بإمكان النظام السوري استعمال السلاح الكيماوي لو أراد، عندما حاصر ثلاثة آلاف ممن يسمون بالمعارضة في أحد أحراش دمشق منذ فترة، لكنه لم يستعمله. أمريكا تؤكد ثبوت استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي، رغم أن اللجنة الدولية لم تصدر تقريراً لأنها ما زالت تحقق. 
كافة المراقبين يتوقعون ضربة عسكرية محدودة، لأهداف عسكرية، وبنيوية تحتية سورية، تقريباً مثلما جرى على وجه التقريب في ليبيا، وبالتأكيد فان الحلف العدواني لا يتوقع رداً سوريا، خاصة أن روسيا الحليف الأساسي لدمشق، وعلى لسان وزير خارجيتها لافروف جاء في تصريح له: بأن روسيالن تُستدرج إلى حرب، على الرغم من إمكانية توجيه الأطلسي ضربة عسكرية إلى سورية. لا يتوقع العدوانيون رداً سوريا، لعجز دمشق عن إمكانية الرد (من وجهة نظرهم)، فالطائرات الأمريكية الموجودة على البوارج في البحر المتوسط، قادرة على إصابة الأهداف السورية من دون دخول أجوائها، بل عن بعد 150 كم. لا يتوقعون رداً سوريا، لأن الأخيرة لم ترد على الاعتداءات العسكرية السابقة من العدو الصهيوني، وربما لأسباب عديدة أخرى في عقولهم.
ليسمح لنا أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن ولندن وباريس وأنقره وتل أبيب، القول: إنهم مخطئون في تصوراتهم، وبالتأكيد فإن من يعتمد الصلافة والعنجهية وسياسة تربية الدول واعتماد قانون الغاب والاستفراد بالعالم، حتى من دون قرارات موافقة من مجلس الأمن (بسبب من الموقفين الروسي والصيني الرافضين لتوجيه مثل هذه الضربة في الحالة السورية) فإنه غالباً لا يعتمد التحليل المنطقي، بل يتجازوه إلى عنجهيته التي تتحكم بخطواته العدوانية. لكل ذلك يمكن القول انهم سيقترفون حماقة الاعتداء على سورية، لكنهم لا يدركون بأنهم إذا ابتدأوا عدواناً على سورية فان تداعياته ستجعل من الصعوبة، بمكان تحديد مواعيد زمنية لانهاء هذه التداعيات الممكنة، التي سيكون لها تأثير تدميري كبير في المنطقة أولاً، وانعكاس ذلك على الصعيد الدولي بالسلب ثانيا. نقول ذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن سورية ليست ليبيا، ففي الأخيرة لم يكن هناك جيش بالمعنى الحقيقي، بينما في الأولى مؤسسة عسكرية صلبة ومتماسكة، موجودة، على الرغم من المواجهات التي تديرها للسنة الثالثة على التوالي بكفاءة عالية. 
ثانياً: إن الهدف الحقيقي من هذه الضربة، في ما لو جرى توجيهها هو مساعدة عصابات القتلة والإرهابيين على تحقيق مكتسبات عسكرية، خاصة أن جولات المواجهة الأخيرة بينها وبين الجيش السوري أسفرت عن تحقيق نجاحات نوعية وانتصارات حاسمة للجيش، في أكثر من منطقة، خاصة في شمال سورية. لذا فإن الضربة تهدف إلى محاولة تدمير للجيش السوري ليستطيع التكفيريون احراز انتصارات على النظام. الهدف الآخر للعدوان هو الحفاظ على ما يسمى بأمن اسرائيل من خلال تدمير سورية وتمزيقها، وازالة طرف رئيسي من أطراف الممانعة والمقاومة العربية ممن يقف في وجهها.
ثالثاً: إن إيران وحزب الله الحليفان الاستراتيجيان لسورية، لن يقفا مكتوفي الأيدي في حالة ضرب سورية، فهما يدركان أنه لو نجح الحلف الاستعماري في تدمير سورية والقضاء على جيشها، فسيأتي الدور عليهما واحدة بعد الأخرى، وفي القريب العاجل، ولذلك فقضية الحفاظ على سورية وعدم السماح بانهيارها هي مصلحة استراتيجية وقضية مركزية ومهمة للطرفين ايران وحزب الله، والمعروف أن الحزب يقاتل التكفيريين والسلفيين في سورية، جنباً إلى جنب مع الجيش السوري، وقد سبق ان أعلن الناطق الرسمي الإيراني:’بأن ضرب سورية هو خط أحمر لإيران’، ولا نعتقد أن إيران تبالغ في وجهة النظر هذه. فهي واضحة تماماً حتى في انتقاء الكلمات.
رابعاً: الموقف الروسي معروف كما ذكر وزير الخارجية لافروف، ولكن هذا الموقف قابل للتغيير بناء على التداعيات غير المتوقعة، بل في حالة ضربة محدودة فقط. أما وصف هذه الضربة بــ(المحدودية) فهو مفهوم نسبي ومطاط، فما هي حدود هذه المحدودية؟ بالتأكيد لن يوجد أحد قادر على إعطاء الرد والجواب سوى أولئك العدوانيين الذين سيقومون بتوجيه الضربة.
لكل هذه الأسباب فالتداعيات المحتملة كثيرة وخطيرة ومن أبرزها: إمكانية قصف إيران وحزب الله وسورية لأهداف إسرائيلية وأخرى أمريكية موجودة في المنطقة. إمكانية إغلاق إيران لمضيق هرمز، وبالتالي قطع طريق النفط وامداداته لأوروبا والولايات المتحدة، والحالة هذه ستنشأ مستجدات إضافية تنذر كلها بتوسيع رقعة الحرب. إمكانية قصف أهداف بترولية في المنطقة، وهو ما سيترك تداعيات خطيرة على كل الدول بالمعنى الإقليمي.
يبقى القول انه بالفعل من الصعب حصر المحدودية والتداعيات للضربة العسكرية لسورية بما يتصوره الحلف الاستعماري، وان الحقيقة الاكيدة تتمثل في أن من يبدأ الحرب لن يستطيع التحكم في موعد انهائها، ولا مدى حدودها وشموليتها، فالطرف أو الأطراف المعتدى عليه أو عليهم له ولهم ردود افعالهم وتصوراتهم، فالمعركة بالنسبة اليهم ستكون معركة وجود وكسر عظم.

‘ كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق